يستعرض مقرر (وحدة التكوين الموسيقي) للسنة الثانية تخصص تربية موسيقية:
النظرية التي تحكم قواعد الموسيقى العربية _الشرقية، منذ تشكّلها مع الرعيل الأول من الباحثين والكتّاب الذين بلغتنا مدوّناتهم، وعلى رأسهم الكندي والفرابي وابن سينا والأرموي، دون إغفال التأسيس لنظرية الإيقاع من خلال أعمال الفراهيدي، هؤلاء وغيرهم، استطاعوا تلخيص ما عرفته شعوب المنطقة العربية الشاسعة من ممارسات موسيقية غناءً وعزفا وتعبيرا، يبدو أنها تشكّلت في إطار الصّلة والتبادل مع شعوب الحضارات المجاورة من بلاد الرافدين ومصر الفرعونية وفارس والروم (البيزنطيين)، ولاحقا اليونان.
حاولت الذاكرة الجمعية الحفاظ على أهم سمات موسيقى هذه الحضارة الممتدة بين ضفتي البلاد العربية الشرقية والغربية، والمستفيدة مما تخلّلته من فترة نيّرة في الأندلس، قبل بداية مرحلة التراجع بسقوط الأندلس الإسلامية وما تبعه من فترات صعبة، وإن عرف القرن العشرين طفرة موسيقية عربية، لكن يبدو أنها تأثرت بدخول عناصر موسيقية أخرى عليها بدّد الكثير من سماتها الأصيلة.
سيحاول مقرّر هذه السنة تلخيص أهم عناصر النظرية الموسيقية العربية من مصطلحات وبناءات؛ لا سيما السلّم الموسيقي العربي وقضية المقامات، وكذلك التعريج على أهم التصنيفات للطرائق والأساليب التي حكمت الإنتاج الموسيقي، والتي يُطلق عليها مصطلح القوالب والاشكال الموسيقية الغنائية منها والآلية.
الإيقاع أحد العناصر المكوّنة للعمل الموسيقي، فهو بالنسبة للمعزوفة الموسيقية بمثابة العمود الفقري، وبالنسبة للغناء بمثابة الروح، ولا يُستغنى عنه في بناء أعمال الرصيد الموسيقي العربي/الشرقي وغيره العالمي، فالإيقاع يمثّل الركن الثالث الذي "يُصبّ اللحن في قالبه"، بعد الشعر المتغنّى به والطبع أو المقام المترنّم بلونه.
ويبرز هذا التكامل في تعريف إبن سريج الذي يقول: "المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الألحان ويملأ الأنفاس ويعدّل الأوزان ويفخّم الألفاظ، ويعرف الصواب ويقيم الإعراب ويستوفي النغم الطوال ويحسن مقاطع النغم القصار ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواقع النبرات ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات".
وهكذا فبالرّغم من مكانة الإيقاع، فلا تزال المنظومة الإيقاعية خاصة في المعزوفة المحلية والإقليمية تعاني من فقدان الوضوح والمنهجية في التعريف بخصائصه وكيفية فهم مصطلحاته وتحديد طرق تدوينه.