اطبع هذا الفصلاطبع هذا الفصل

التقويم التربوي عبد اللطيف الفارابي

1. التقويم التربوي

-مفهوم التقويم البيداغوجي: 

1. التقويم والقياس:

يفيد مصطلح التقويم في اللغة:" تقدير الشيء وتثمينه. " ويفيد في المجال البيداغوجي: " إصدار حكم على مدى وصول العملية التعليمية إلى أهدافها وتحقيقها لأغراضها والكشف عن مختلف الموانع والمعيقات التي تحول دون الوصول إلى ذلك، واقتراح الوسائل المناسبة من أجل تلافي هذه الموانع. "

بهذا المعنى، لا يبقى التقويم مجرد إصدار أحكام قيمة على المتعلمين التي تتراوح بين الجودة والضعف، بل يكون التقويم مرادفا لقياس مستوى المتعلم ومردوديته. ولكنه عملية أشمل، تتعلق بصيرورة التعليم والتعلم، وإن كان البعض يعتبر التقويم قياسا، ذلك أن القياس مجموعة من المثيرات نضبط بها بطريقة كمية، مجموع عمليات عقلية أو سمات نفسية... وتتحول النتائج المحصل عليها إلى قيم كمية وتسمى درجات.

وهكذا، نلاحظ أن مفهوم القياس في علاقته بالتقويم البيداغوجي لا يخرج عن كونه جزء لا يتجزأ من عملية التقويم. فالقياس يعطينا فكرة جزئية عن الشيء الذي يقاس، لأنه يتناول، حسب بلوم Bloom ، الخصائص الموجودة لدى الأفراد، مثل الذكاء والقدرات الفكرية المختلفة... بينما يحاول التقويم، بمعناه الشمولي، أن يعطينا صورة عن جميع المعلومات التي لها علاقة بتقدم المتعلمين نحو الأهداف المتوخاة، سواء كانت هذه الأهداف عامة أو خاصة.

2. التقويم والدوسيمولوجيا Docimologie :

يقصد بهذا المفهوم، حسب بيرون Pieron ، في كتاباته السيكولوجية: " الدراسة النقدية والتجريبية لطرق الامتحانات الكلاسيكية القائمة على اختبارات في شكلها الذاتي اللاعلمي ". الشيء الذي يعبر عنه واقع التقويم في عدد من البلدان، ومنها المغرب، حيث لا يزال التقويم يهتم بالدرجة الأولى بالمتعلم. فإليه وحده ترجع مسؤولية النجاح أو الفشل والتقصير. لهذا، ظهرت عدة مساوئ كانت بمثابة الحافز، لإعادة النظر في أهداف التقويم ووسائل القياس المستعملة. ونذكر من ذلك بعض العيوب والسلبيات، منها:

1. 2. إن الامتحانات التقليدية لا تقيس سوى الجانب المعرفي والتحصيلي فقط من شخصية المتعلم، وتهمل الجوانب الأخرى.

2. 2. تفرض سلطوية المدرس وطغيان الذاتية في التصحيح.

3. 2. ينعدم فيها التقنين والموضوعية.

4. 2. نشاط المتعلم موجه نحو النقطة كغاية.

5. 2. التعامل مع المعرفة، تعامل منفعي والارتباط بالآخرين، مما يؤدي إلى الغش والخداع.

6. 2. انعدام الصدق والصلاحية والثبات.

إذن، فالامتحانات التقليدية الكلاسيكية، تكرس بيداغوجية تعتبر متجاوزة، باعتبارها مصدر توتر وقلق بالنسبة للمتعلمين وللأسرة معا، لكونها يعوزها الصدق والثبات، وكذا الدقة والموضوعية.

3. نحو مفهوم جديد للتقويم:

وهكذا، نخلص من هذه العلاقة الثنائية بين الدوسيمواوجيا والتقويم، إلى القول بأن الدوسيمولوجيا، تقويم بشكل ضيق، يتم وفق عدة خصائص، أبرزها: الصدق والثبات وسهولة الاستخدام. في حين، يبقى التقويم عملية أشمل. إنه متعدد الموضوعات، متنوع العناصر، شامل ومستمر، يشخص ويصحح ويكون. ولقد بينت أنا بوندوار Anna Bondoir هذا المفهوم في قولها: " التقويم هو جمع معلومات ضرورية وكافية، تنتقى من بين مجموعة من الاختيارات لتتخذ قرارا، انطلاقا من الأهداف التي حددنا ". فالتقويم إذن أكثر تعقيدا من الفعل البيداغوجي. وتحدد هذه الباحثة للتقويم، الأهداف التالية:

1. 3. القيام بجرد ما وصلنا إليه بالمقارنة مع ما كنا ننتظره.

2. 3. ضمان سير المتعلم نحو التطور المرغوب فيه عن طريق ضبط المراحل المتوالية التي يقطعها، واختبارها باستمرار.

3. 3. التمكن من تحديد الوضعية الملائمة لمهام معينة، وتهييء متطلباتها ووسائلها، والقيام بالتصحيح خلال إنجاز هذه المهام.

4. 3. تقويم العلاقة بين المدرس والمتعلم، كي نصحح دور كل منهما.

5. 3. تقويم الشروط التي تتيحها لنا المؤسسة.

6. 3. تقويم الكيفية التي يتم بها اعتبار مكونات المحيط وكيفية توظيفها. وذلك من أجل استعمال متنوع لهذه المكونات.

فبناء على هذه الأهداف، فإن التقويم كمفهوم بيداغوجي، يرتبط بالتعليم بواسطة الأهداف، ينصب على مكونات العملية التعليمية جميعها، من أهداف ومحتويات وطرق ووسائل وأنشطة، إلى جانب التقويم ذاته. فهو إذن شمولي، يتعلق بصيرورة التعليم والتعلم، كما أنه مستمر، لأنه ليس مرحلة نهائية، بل أن كل مرحلة من الدرس أو مجموعة من الدروس، يتم ضبطها وتصحيحها عن طريق تقويم، يتيح لنا إمكانية معرفة ثغرات التدريس وصعوباته.

من خلال ما سبق، نستخلص أن التقويم عملية أساسية، فهي تشكل العمود الفقري للعملية التربوية البيداغوجية. لأنه يؤدي إلى قرارات على مستوى إعادة النظر في أحد مكوناتها الأساسية. وذلك عن طريق الرجوع المستمر للوراء، بواسطة التغذية الراجعة feed back ، واقتراح العلاج حينما يقتضي الأمر ذلك.

من هنا، نخلص إلى أهمية التقويم البيداغوجي الشامل المستمر التي تتجلى فيما يلي:

1. معرفة مستوى المتعلمين من خلال تدرجهم ومواكبتهم للعملية التعليمية حسب أهداف محددة.

2. تفيد المدرس في صياغة الأهداف الملائمة واختيار المحتوى والطرائق والوسائل.

3. تؤدي إلى تحسين المنهاج من نواحي القوة والضعف.

4. تفيد المدرس في معرفة مدى تحقق الأهداف الإجرائية.